فصل: (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [شروطُ صَلَاةِ الجماعةِ]:

(يُشْتَرَطُ لِ) صَلَاةِ (جَمَاعَةٍ نِيَّةُ كُلٍّ) مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ ()؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ مِنْ وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ، وَسُقُوطِ نَحْوِ السَّهْوِ وَالْفَاتِحَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَفَسَادِ صَلَاتِهِ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ، فَكَانَتْ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ. (وَإِنْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ (نَفْلًا) كَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْفَرْضِ، (مِنْ أَوَّلِ صَلَاةٍ، غَيْرَ مَا يَأْتِي) مِنْ أَنَّ أَحَدَ الْمَسْبُوقِينَ لَهُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، وَلِلْبَاقِي نِيَّةُ الِائْتِمَامِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِمْ (فَيَنْوِي إمَامٌ إمَامَةً) عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ. (أَوْ) يَنْوِي إمَامٌ (أَنَّهُ مُقْتَدًى بِهِ، وَ) يَنْوِي (مَأْمُومٌ ائْتِمَامًا، أَوْ) يَنْوِي مَأْمُومٌ (أَنَّهُ مُقْتَدٍ. فَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ) مِنْ الْمُصَلِّيَيْنِ (أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ، أَوْ) اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ (مَأْمُومُهُ)- أَيْ: الْآخَرِ- لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَمَّ مَنْ لَمْ يُؤْتَمَّ بِهِ فِي الْأُولَى، وَائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ إمَامًا فِي الثَّانِيَةِ. (أَوْ نَوَى مُصَلٍّ الِائْتِمَامَ أَوْ الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ، كَأُمِّيٍّ) لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ (بِقَارِئٍ) يُحْسِنُهَا، (وَامْرَأَةٍ بِرَجُلٍ)، لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا لِفَسَادِ الْإِمَامَةِ وَالِائْتِمَامِ (أَوْ ائْتَمَّ، بِأَحَدِ إمَامَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ)، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. (أَوْ) نَوَى الِائْتِمَامَ (بِهِمَا)، أَيْ: بِالْإِمَامَيْنِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمَا. (أَوْ) نَوَى الِائْتِمَامَ (بِمَأْمُومٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِغَيْرِ إمَامٍ. (أَوْ شَكَّ) مُصَلٍّ (فِي كَوْنِهِ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا)، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ. (أَوْ عَيَّنَ إمَامًا)، بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ يُصَلِّي خَلْفَهُ زَيْدٌ، فَأَخْطَأَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. (أَوْ) عَيَّنَ (مَأْمُومًا) بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ يُصَلِّي إمَامًا بِعَمْرٍو، (وَإِنْ كَانَ) تَعْيِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (غَيْرَ وَاجِبٍ) عَلَى الْأَصَحِّ، (فَأَخْطَأَ)، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: عَيَّنَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، أَنَّهُ لَوْ ظَنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَهُ، لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ نَوَاهَا)، أَيْ: الْإِمَامَةَ (شَاكًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ) يَأْتَمُّ بِهِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ عَدَمَ مَجِيئِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ نَوَى الْإِمَامَةَ (فَلِأَنَّ حُضُورَهُ) أَيْ: الْمَأْمُومِ فَحَضَرَ، وَدَخَلَ مَعَهُ (وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، إنْ لَمْ يَحْضُرْ)؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، (أَوْ) أَيْ: وَكَذَلِكَ لَوْ (حَضَرَ)، وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ، (أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ رُكُوعًا) قَوْلًا وَاحِدًا.
وَ(لَا) تَبْطُلُ (إنْ دَخَلَ) مَعَهُ مَنْ ظَنَّ حُضُورَهُ، (ثُمَّ انْصَرَفَ) قَبْلَ إتْمَامِهِ صَلَاتَهُ وَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهَا لَا فِي ضِمْنِهَا. وَلَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا، بِدَلِيلِ سَهْوِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدَثِهِ. (وَمَنْ) أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ (نَوَى إمَامَةً) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَمْ يَصِحَّ. (أَوْ) أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى (ائْتِمَامًا فِي أَثْنَاءِ) الصَّلَاةِ، (لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ فِي (إمَامَةِ نَفْلٍ) كَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي تَصْحِيحِهِ الْقَوْلَيْنِ. وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ أَوْ الْإِمَامَةَ، لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَالْمَنْصُوصُ صِحَّةُ الْإِمَامَةِ فِي النَّفْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.
(إلَّا إذَا أَحْرَمَ) مُصَلٍّ (إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ)، أَيْ: الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، (ثُمَّ حَضَرَ) إمَامُ الْحَيِّ، فَأَحْرَمَ، (وَبَنَى) صَلَاتَهُ (عَلَى صَلَاةِ) الْإِمَامِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي أَحْرَمَ لِغَيْبَتِهِ، (فَيَصِيرُ) هَذَا (الْإِمَامُ مَأْمُومًا) بِالْإِمَامِ الرَّاتِبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ غَيْرُهُ، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: «ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَ(إلَّا إذَا أَمَّ مُقِيمٌ) مُقِيمًا (مِثْلَهُ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمَا، (إذَا سَلَّمَ إمَامٌ مُسَافِرٌ) قَصَرَ الصَّلَاةَ. وَكَانَا قَدْ ائْتَمَّا بِهِ صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِعُذْرٍ، فَجَازَ كَالِاسْتِخْلَافِ. (أَوْ) أَمَّ (مَسْبُوقٌ) مَسْبُوقًا (مِثْلَهُ) وَافَقَهُ فِي عَدَدِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا، أَوْ خَالَفَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، (فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِمَا (فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ)، صَحَّ ذَلِكَ لِعُذْرِ السَّبْقِ. فَإِنْ ائْتَمَّ مَسْبُوقٌ بِإِمَامِ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُ، أَوْ كَانَا فِي جُمُعَةٍ، لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا إذَا أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ لَمْ تَقُمْ فِيهِ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إقَامَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيلٌ لَهَا بِجَمَاعَةٍ، وَغَايَتُهُ أَنَّهَا فُعِلَتْ بِجَمَاعَتَيْنِ، وَهَذَا: لَا يَضُرُّ، كَمَا لَوْ صُلِّيَتْ الْأُولَى مِنْهَا بِسِتِّينَ، ثُمَّ فَارَقَهُ عِشْرُونَ، وَصُلِّيَتْ الثَّانِيَةُ بِأَرْبَعِينَ. وَقِيلَ: لَعَلَّهُ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ لَهَا، فَيَلْزَمُ لَوْ ائْتَمَّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ بِالْآخَرِ، تَصِحُّ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) لَوْ ائْتَمَّ مَسْبُوقٌ بِمِثْلِهِ (فِيهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ: (لَا تَبْطُلُ)، حَيْثُ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ (جَهْلًا) مِنْهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مِنْ الْمَسْبُوقِ بِمِثْلِهِ، إذْ الْجَهْلُ مُفْتَقَرٌ عَنْهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ أَوَّلًا بِلَا عُذْرِ السَّبَقِ وَالْقَصْرِ السَّابِقَيْنِ، إلَّا إذَا (اسْتَخْلَفَهُ إمَامٌ لِحُدُوثِ مَرَضٍ) لِلْإِمَامِ (أَوْ) حُدُوثِ خَوْفٍ (أَوْ) حُدُوثِ (حَصْرٍ) لَهُ (عَنْ قَوْلِ وَاجِبٍ)، كَقِرَاءَةٍ، وَتَشَهُّدٍ وَتَسْمِيعٍ، وَتَكْبِيرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَنَحْوِهِ، لِوُجُودِ الْعُذْرِ الْحَاصِلِ لِلْإِمَامِ مَعَ بَقَاءِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْكُلِّ، (فَيَصِيرُ الْمَأْمُومُ إمَامًا، وَيَبْنِي) خَلِيفَةُ الْإِمَامِ (عَلَى تَرْتِيبِ) الْإِمَامِ (الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ؛ وَلِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ (لَكِنْ يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ مَسْبُوقٌ) اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ (يُسِرُّ مَا) كَانَ (قَرَأَهُ مُسْتَخْلِفُهُ) بِكَسْرِ اللَّامِ، (ثُمَّ يَجْهَرُ بِبَاقٍ)، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ. فَإِنْ شَكَّ كَمْ صَلَّى الْإِمَامُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُ، رَجَعَ. (وَيَسْتَخْلِفُ) ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ (مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ)، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ. (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ)، أَيْ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، (فَلَهُمْ سَلَامٌ، وَ) لَهُمْ (انْتِظَارٌ) لَهُ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَيُسَلِّمَ بِهِمْ نَصًّا. (وَلَا اسْتِخْلَافَ بَعْدَ بُطْلَانِ) صَلَاةِ إمَامٍ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، أَوْ فَعَلَ مَا يُبْطِلُهَا، لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ مَرْفُوعًا «إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَحِينَئِذٍ، فَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ مَعًا، لِارْتِبَاطِهَا بِهَا. (وَصَحَّ) لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً (لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ جَمَاعَةٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنِيَّةِ) الِانْفِرَادِ (إمَامٌ وَكَذَا) يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ (مَأْمُومٌ) لِعُذْرٍ كَذَلِكَ، كَتَطْوِيلِ إمَامٍ، وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ، وَمَرَضٍ، وَخَوْفِ فَسَادِ صَلَاتِهِ بِمُدَافَعَتِهِ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ إنْ (عَجَّلَ) أَيْ: اسْتَفَادَ بِتَعْجِيلِهِ إدْرَاكَ بُغْيَتِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ انْفِرَادُهُ) أَيْ: الْمَأْمُومِ (عَنْ إمَامِهِ) أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ انْفِرَادُ الْإِمَامِ عَنْ الْجَمَاعَةِ (بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ لَمْ يَصِحَّ) الِانْفِرَادُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، إلَّا إنْ عُذِرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الصَّفِّ مَغْلُوبًا، فَلَهُ الْمُفَارَقَةُ. وَإِنَّمَا صَحَّ الِانْفِرَادُ لِلْعُذْرِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: «صَلَّى مُعَاذٌ بِقَوْمٍ: فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَقِيلَ لَهُ: نَافَقَتْ. فَقَالَ: مَا نَافَقَتْ، وَلَكِنْ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُخْبِرُهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ مَرَّتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِمُفَارَقَتِهِ (فَإِنْ زَالَ عُذْرُهُ) أَيْ: الْمَأْمُومِ الْمُفَارِقِ، وَهُوَ (فِي) الـ (الصَّلَاةِ، فَلَهُ دُخُولٌ مَعَ إمَامِهِ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَيُتِمُّهُ مَعَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ مَعَهُ، خِلَافًا لِلْفُصُولِ. (وَيَقْرَأُ مَأْمُومٌ فَارَقَ فِي قِيَامٍ) قَبْلَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ، لِصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا قَبْلَ سُقُوطِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، (أَوْ يُكْمِلُ) مَا بَقِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ (وَ) إنْ فَارَقَهُ (بَعْدَهَا)، أَيْ: بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ (يَرْكَعُ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَعَنْ الْمَأْمُومِ (وَإِنْ ظَنَّ) مَأْمُومٌ فَارَقَ إمَامَهُ (فِي صَلَاةِ سِرٍّ) كَظُهْرٍ (أَنْ إمَامَهُ قَرَأَ) الْفَاتِحَةَ (لَمْ يَقْرَأْ) أَيْ: لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِرَاءَةُ إجْرَاءً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْيَقِينِ.
(وَ) إنْ فَارَقَ (فِي ثَانِيَةِ جُمُعَةٍ) وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْأُولَى لِـ (يُتِمَّ) مُفَارِقٌ صَلَاتَهُ (جُمُعَةً)؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ مِنْهَا رَكْعَةً. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْمُفَارَقَةِ لِعُذْرٍ، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً. (لَوْ نَقَصَ بِهِ) أَيْ: بِمَنْ فَارَقَ، (الْعَدَدَ) الْمُعْتَبَرَ لِلْجُمُعَةِ (إذْ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ) الْعَدَدُ بِهَذِهِ الْمُفَارَقَةِ (حُكْمًا)؛ لِأَنَّهَا قَدْ، تَمَّتْ جُمُعَةً بِالْإِحْرَامِ، فَلَا تَبْطُلُ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ. لَكِنْ يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، وَسَمَاعُهُمْ الْخُطْبَةَ، وَاسْتِمْرَارُهُمْ بَعْدَ إحْرَامِهِمْ مَعَ الْإِمَامِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ ذَلِكَ، بَطَلَتْ جُمُعَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ، فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِهَا كَالطَّهَارَةِ. وَلَا يُرَدُّ صِحَّتُهَا مِنْ الْمَسْبُوقِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ بِدُونِهِ، فَصَحَّتْ مِنْهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَسَمِعَهَا.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دُخُولُ مَسْبُوقٍ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ نَقْصِ الْعَدَدِ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، إذْ لَوْ فَرَضْنَا بَقَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ مُكَمِّلًا لِلْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ، وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ بَطَلَتْ بِمُجَرَّدِ الْمُفَارَقَةِ، وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ) فَلَا اسْتِخْلَافَ إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ.
وَ(لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ (مُطْلَقًا)، بَلْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (لِمَا يَأْتِي فِي) بَابِ سُجُودِ الـ (سَهْوِ)، أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَامَ لِزَائِدَةٍ، وَنَبَّهَهُ الْمَأْمُومُونَ، فَلَمْ يَرْجِعْ؛ وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ، وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ.
(وَ) كَذَلِكَ يَأْتِي فِي صَلَاةِ الـ (خَوْفِ) فِي آخِرِ الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَرَّقَ الْمَأْمُومِينَ أَرْبَعًا، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً؛ صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَيَيْنِ لَا الْإِمَامِ، وَالْأُخْرَيَيْنِ، إلَّا إنْ جَهِلُوا الْبُطْلَانَ. وَصَرَّحَ فِي الْمُنْتَهَى بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِمُجَرَّدِ بُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (لَا عَكْسِهِ) أَيْ: لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَأْمُومٍ، مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْجُمُعَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضِمْنِهَا، وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا. (وَيُتِمُّهَا) الْإِمَامُ (مُنْفَرِدًا بِنِيَّتِهِ)، أَيْ: الِانْفِرَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ مَنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَحْدَثَ، فَ) ظَهَرَ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ) أَحْدَثَ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِفَسْخِهِ نِيَّةَ الصَّلَاةِ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا (كـَ) مَا تَبْطُلُ صَلَاةٌ (رُبَاعِيَّةٌ) كَظُهْرٍ (ظَنَّهَا فَجْرًا، أَوْ) ظَنَّهَا (جُمُعَةً فَسَلَّمَ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَرْعٌ: سُئِلَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَنْ إمَامٍ صَلَّى الْعَصْرَ، فَظَنَّ أَنَّهَا الظُّهْرُ، فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ) أَنَّهَا الْعَصْرُ؟ (فَقَالَ: يُعِيدُ) الْإِمَامُ صَلَاتَهُ لِبُطْلَانِ فَرْضِهِ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ مَعَ الشَّكِّ، (وَيُعِيدُونَ)، أَيْ: الْمُقْتَدُونَ بِهِ، لِانْقِلَابِ فَرْضِ إمَامِهِمْ نَفْلًا، وَهُمْ مُفْتَرِضُونَ، وَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي الْفَرْضِ بَاطِلٌ.

.(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ):

وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَأَرْكَانِهَا، وَوَاجِبَاتِهَا، وَسُنَنِهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا (سُنَّ خُرُوجٌ إلَيْهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (بِسَكِينَةٍ): بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَتَخْفِيفِ الْكَافِ، أَيْ: طُمَأْنِينَةٍ، وَتَأَنٍّ فِي الْحَرَكَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْعَبَثِ (وَوَقَارٍ)، كَسَحَابٍ، أَيْ: رَزَانَةٍ، كَغَضِّ الطَّرْفِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ، (وَخُضُوعٍ) أَيْ: تَوَاضُعٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». وَلِمُسْلِمٍ: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ». (مُقَارِبًا بَيْنَ خُطَاهُ لِتَكْثُرَ حَسَنَاتُهُ)، فَإِنَّ كُلَّ خُطْوَةٍ يُكْتَبُ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمْشِي وَأَنَا مَعَهُ، فَقَارَبَ فِي الْخُطَا، ثُمَّ قَالَ: تَدْرِي لِمَ فَعَلْتُ هَذَا؟ لِتَكْثُرَ خُطَايَ فِي طَلَبِ الصَّلَاةِ». (قَائِلًا) مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلَا بَطِرًا»- قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبَطِرُ: الْأَشِرُ، وَهُوَ: شِدَّةُ الْمَرَحِ، وَالْمَرَحُ: شِدَّةُ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ- «وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً»- الرِّيَاءُ: إظْهَارُ الْعَمَلِ لِلنَّاسِ لِيَرَوْهُ، وَيَظُنُّوا بِهِ خَيْرًا. وَالسُّمْعَةُ: إظْهَارُ الْعَمَلِ لِيَسْمَعَهُ النَّاسُ.- «خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ» أَيْ: غَضَبِكَ «وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنْ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ؛ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَسُنَّ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وَأَقْرَبِ مَنْ تَوَسَّلَ إلَيْكَ، وَأَفْضَلِ مَنْ سَأَلَكَ وَرَغِبَ إلَيْكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي قَبْرِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ شِمَالِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَفِي عَصَبِي نُورًا وَفِي لَحْمِي نُورًا، وَفِي دَمِي نُورًا، وَفِي شَعْرِي نُورًا، وَفِي بَشَرِي نُورًا، وَفِي نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا، وَاجْعَلْنِي نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا، وَزِدْنِي نُورًا»، رَوَى مُسْلِمٌ بَعْضَهُ.
(وَ) سُنَّ أَنْ يَقُولَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ: «بِسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ بِاَللَّهِ، وَاعْتَصَمَتْ بِاَللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» وَمَا دَعَا بِهِ مِمَّا وَرَدَ فَحَسَنٌ وَسُنَّ أَنْ يَقُولَ فِي دُخُولِ مَسْجِدٍ: بِسْمِ اللَّهِ مُقَدِّمًا رِجْلَهُ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَيَقُولَ مَا ذُكِرَ فِي خُرُوجٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: أَبْوَابَ فَضْلِكَ بَدَلَ أَبْوَابِ رَحْمَتِكَ، لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَغَيْرُهُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ» لِمَا رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، تَدَاعَتْ جُنُودُ إبْلِيسَ، وَاجْتُلِبَتْ، كَمَا تَجْتَمِعُ النَّحْلُ عَلَى يَعْسُوبِهَا، فَإِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَضُرَّهُ». وَالْيَعْسُوبُ: ذَكَرُ النَّحْلِ، وَقِيلَ: أَمِيرُهَا. وَكُرِهَ (لِمَنْ سَمِعَ) الْإِقَامَةَ إسْرَاعُ مَشْيٍ، لِأَنَّهُ يُذْهِبُ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، إلَّا لِخَوْفِهِ فَوْتَ جَمَاعَةٍ، فَلَا يُكْرَهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ طَمِعَ فِي إدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ أُولَى، فَلَا بَأْسَ بِإِسْرَاعِهِ لِذَلِكَ، مَا لَمْ تَكُنْ عَجَلَةٌ تُقْبَحُ، فَلَا يَرْتَكِبُهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَعْثُرُ فَيَنْضَرُّ. (وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ) لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَ(اشْتَغَلَ بِنَحْوِ ذِكْرٍ) كَقِرَاءَةٍ، (أَوْ سَكَتَ) إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِذَلِكَ (وَكُرِهَ خَوْضٌ بِأَمْرِ دُنْيَا)، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، كَمَا فِي الْخَبَرِ.
(وَ) كُرِهَ (فَرْقَعَةُ أَصَابِعَ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ. (فَمَا دَامَ كَذَلِكَ)، أَيْ: مُشْتَغِلًا بِالذِّكْرِ أَوْ سَاكِنًا مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ (فَهُوَ فِي صَلَاةٍ، وَالْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا لَمْ يُؤْذِ أَوْ يُحْدِثْ)، لِلْخَبَرِ. (وَسُنَّ قِيَامُ إمَامٍ، فَ) قِيَامُ (مَأْمُومٍ) غَيْرِ مُقِيمٍ، (لِصَلَاةٍ إذَا قَالَ مُقِيمٌ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ)، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: وَلِأَنَّهُ دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ، فَاسْتُحِبَّ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا عِنْدَهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ. (إنْ رَأَى) الْمَأْمُومُ (الْإِمَامَ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَرَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُقِيمِ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، (فـَ) إنَّهُ يَقُومُ (عِنْدَ رُؤْيَتِهِ) لِإِمَامِهِ، فَلَا يَقُومُ حَتَّى يَرَى الْإِمَامَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَالْمُقِيمُ يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ كُلِّهَا قَائِمًا. وَلَا يُحْرِمُ الْإِمَامُ حَتَّى تَفْرُغَ الْإِقَامَةُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُلِّ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: قِيَامُ الْمَأْمُومِ إذَا رَأَى الْإِمَامَ مُعْتَبَرٌ (فِيمَنْ)، أَيْ: مَأْمُومٍ (يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ إمَامٍ)، بِأَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اتِّجَاهِهِ (ثُمَّ يُسَوِّي إمَامٌ الصُّفُوفَ نَدْبًا بِمَنْكِبٍ وَكَعْبٍ)، دُونَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، (فَلْيَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا قَائِلًا: اعْتَدِلُوا وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ، أَوْ) يَقُولُ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: (اسْتَوُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ)، وَفِي الرِّعَايَةِ: اعْتَدِلُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ، لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هَذَا الْعُودُ؟ فَقُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ، فَقَالَ: اعْتَدِلُوا، وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الصُّفُوفُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ. (وَسُنَّ تَكْمِيلُ صَفٍّ، أَوَّلٍ فَأَوَّلٍ)، حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْآخِرِ، (فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ)، أَيْ: تَرْكُ تَكْمِيلِهِ (لِقَادِرٍ) عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَى ذَلِكَ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ». وَظَاهِرُهُ: حَتَّى بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ الصَّلَاةُ فِي مِحْرَابِ زِيَادَةِ عُثْمَانَ.
(وَ) سُنَّ (مراصة)، أَيْ: الْتِصَاقُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِبَعْضٍ، وَسَدُّ خَلَلِ الصُّفُوفِ. (وَيَمِينُهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ لِرِجَالٍ أَفْضَلُ مِنْ يَسَارِهِ (مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ قَرُبَ مَنْ عَلَى الْيَسَارِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ بَعُدَ.
(وَ) صَفُّ (أَوَّلٍ لِرِجَالٍ) مَأْمُومِينَ (لَا نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ أَفْضَلُ) مِمَّا بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَفٍّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ. وَصُفُوفِ النِّسَاءِ عَكْسُ ذَلِكَ، لِحَدِيثِ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَلَهُ ثَوَابُهُ وَثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ، أَيْ: لِلْإِمَامِ ثَوَابُ نَفْسِهِ وَثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ، مَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ لِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ.
(وَ) الصَّفُّ (الْأَوَّلُ): هُوَ (مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ)، يَعْنِي: مَا يَلِي الْإِمَامَ وَلَوْ قَطَعَهُ الْمِنْبَرُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ تَامًّا.
(وَ) قَالَ (فِي الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ)، أَيْ: الْأَصْحَابِ: (أَنَّ بَعِيدًا عَنْ يَمِينِ) الْإِمَامِ (أَفْضَلُ مِنْ) مَأْمُومٍ (قَرِيبٍ عَنْ يَسَارِهِ)، لِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ يَمِينَهُ لِرِجَالٍ أَفْضَلُ.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَهُوَ أَقْوَى عِنْدِي، لِخُصُوصِيَّةِ جِهَةِ الْيَمِينِ بِمُطْلَقِ الْفَضْلِ، كَمَا أَنَّ مَنْ وَقَفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ، وَلَوْ كَانَ فِي آخِرِ الصَّفِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ مُلْتَصِقًا بِهِ.
(وَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا: (أَنَّهُ يُحَافِظُ عَلَى) الصَّفِّ (الْأَوَّلِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ)، أَيْ: بِسَبَبِ مَشْيِهِ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْ نَصِّهِ يُسْرِعُ إلَى الْأُولَى لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، لَا إنْ خَافَ فَوْتَ (جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ: إذَا لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ، أَمَّا إذَا خَشِيَ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِإِدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ سَلَامَ الْإِمَامِ، فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مُتَعَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَهَا أَكْثَرُ فَضْلًا مِنْ إدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. (وَمَا قَرُبَ مِنْ) الْ (إمَامِ فَ) هُوَ (أَفْضَلُ) مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ. وَمُقْتَضَاهُ: أَفْضَلِيَّةُ الْأَقْرَبِ مِمَّنْ عَلَى يَسَارِهِ عَلَى الْأَبْعَدِ، مِمَّنْ عَلَى يَمِينِهِ، لِمَزِيَّةِ الْقُرْبِ. وَهَذَا تَوْجِيهُ احْتِمَالٍ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ بُعْدَ يَمِينِهِ أَفْضَلُ مِنْ قُرْبِ يَسَارِهِ، لِامْتِيَازِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ. (وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، عَكْسُ صُفُوفِ نِسَاءٍ) لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ. (فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهُنَّ)، أَيْ: النِّسَاءِ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ، لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ». (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ تَأْخِيرِ نِسَاءٍ (إنْ صَلَّيْنَ خَلْفَ رِجَالٍ، لَا مَعَ بَعْضِهِنَّ) فَإِنْ صَلَّيْنَ مَعَ بَعْضِهِنَّ فَكَالرِّجَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ (وَإِلَّا) تَكُنْ تُصَلِّي (فَلَا) كَرَاهَةَ. (وَلَيْسَ بَيْنَ إقَامَةٍ وَتَكْبِيرٍ دُعَاءٌ مَسْنُونٌ) نَصًّا، قِيلَ لِأَحْمَدَ: قَبْلَ التَّكْبِيرِ نَقُولُ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ (وَإِنْ دَعَا) بَيْنَهُمَا؛ (فَلَا بَأْسَ، فَعَلَهُ) الْإِمَامُ، (أَحْمَدُ)، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، الْمُقَدَّمُ خِلَافُهَا.

.(فَصْلٌ):[تكبيرة الإحرام]:

(ثُمَّ يَقُولُ): مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، (قَائِمًا مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى قِيَامٍ (لِفَرْضٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ)، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ، قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرُوِيَ مُرْسَلًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «إذَا قُمْتَ فَكَبِّرْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا) وُجُوبًا. (وَيَتَّجِهُ): اشْتِرَاطُ التَّوَالِي بَيْنَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ، (وَلَوْ حُكْمًا) فَلَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ، أَوْ عُطَاسٌ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ التَّوَالِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَإِنْ أَتَى بِهِ)، أَيْ: بِتَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ كُلِّهِ، غَيْرَ قَائِمٍ، بِأَنْ قَالَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، أَوْ رَاكِعٌ وَنَحْوُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، (أَوْ ابْتَدَأَهُ)، أَيْ: التَّكْبِيرَ، غَيْرَ قَائِمٍ، كَأَنْ ابْتَدَأَهُ قَاعِدًا وَأَتَمَّهُ قَائِمًا، (أَوْ أَتَمَّهُ)، أَيْ: التَّكْبِيرَ، (غَيْرَ قَائِمٍ)، بِأَنْ ابْتَدَأَهُ قَائِمًا، وَأَتَمَّهُ رَاكِعًا مَثَلًا، (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ (نَفْلًا)؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ دُونَ النَّفْلِ، فَتَنْقَلِبُ بِهِ صَلَاتُهُ نَفْلًا (إنْ اتَّسَعَ وَقْتٌ) لِإِتْمَامِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ كُلِّهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَمْ يَكُنْ وَقْتَ نَهْيٍ. وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لِمَا ذُكِرَ، اسْتَأْنَفَ الْفَرْضَ قَائِمًا. (وَإِذَا زَادَ بَعْدَ) قَوْلِهِ: اللَّهُ (أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَوْ) قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَ(أَعْظَمُ، أَوْ) اللَّهُ أَكْبَرُ وَ(أَجَلُّ، وَنَحْوُهُ كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِهَذَا اللَّفْظِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ، وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ هَيْبَةً، فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ، وَيَخْشَعُ وَلَا يَغِيبُ. وَسُمِّيَتْ التَّكْبِيرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهَا فِي عِبَادَةٍ، يَحْرُمُ فِيهَا أُمُورٌ. وَالْإِحْرَامُ: الدُّخُولُ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ. (وَتَنْعَقِدُ) الصَّلَاةُ (إنْ مَدَّ اللَّامَ)، أَيْ: لَامَ الْجَلَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَمْدُودَةٌ، فَغَايَتُهُ زِيَادَتُهَا مِنْ غَيْرِ إتْيَانِهِ بِحَرْفٍ زَائِدٍ وَ(لَا) تَنْعَقِدُ إنْ مَدَّ (هَمْزَةَ اللَّهِ، أَوْ) مَدَّ هَمْزَةَ (أَكْبَرَ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِفْهَامًا، فَيَخْتَلُّ الْمَعْنَى (أَوْ قَالَ: إكْبَارٌ)؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ كَبْرٍ- بِفَتْحِ الْكَافِ- وَهُوَ: الطَّبْلُ، (أَوْ) قَالَ: اللَّهُ (الْأَكْبَرُ)، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اللَّهُ الْكَبِيرُ أَوْ الْجَلِيلُ وَنَحْوُهُ، أَوْ قَالَ: اللَّهُ أَقْبَرُ أَوْ: اللَّهُ، فَقَطْ، أَوْ أَكْبَرُ فَقَطْ. (وَحَذْفُ) زِيَادَةِ (مَدِّ لَامٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَمْطِيطُهُ) أَيْ: التَّكْبِيرِ (وَيَلْزَمُ جَاهِلًا تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ تَعَلَّمَهَا) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي مَكَانِهِ، أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ لِتَعَلُّمِهِ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ، (أَوْ ضَاقَ وَقْتٌ) عَنْهُ، (كَبَّرَ بِلُغَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اللَّفْظِ، فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِمَعْنَاهُ، كَلَفْظَةِ النِّكَاحِ. (فَإِنْ عَرَفَ لُغَاتٍ فِيهَا أَفْضَلَ، كَبَّرَ بِهِ، فَيُقَدَّمُ سُرْيَانِيٌّ) بَعْدَ الْعَرَبِيِّ (فَفَارِسِيٌّ) بَعْدَ السُّرْيَانِيِّ (وَإِلَّا خُيِّرَ) مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَيْنِ (كَتُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ) بِالتَّكْبِيرِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِتَسَاوِيهِمَا. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، سَقَطَ عَنْهُ كَالْأَخْرَسِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}. (وَكَذَا كُلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ كَتَحْمِيدٍ، وَتَسْبِيحٍ، وَتَشَهُّدٍ) فَيَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهُ إنْ قَدَرَ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَتَى بِهِ بِلُغَتِهِ. (وَإِنْ عَلِمَ الْبَعْضَ) مِنْ التَّكْبِيرِ، أَوْ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ؛ بِأَنْ أَحْسَنَ لَفْظَ اللَّهِ، أَوْ أَكْبَرَ، أَوْ سُبْحَانَ دُونَ الْبَاقِي، (أَتَى بِهِ) لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (وَإِنْ تَرْجَمَ) بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (عَنْ) ذِكْرٍ (مُسْتَحَبٍّ، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ، لَوْ تَرْجَمَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ عَنْ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ، فَيَجِبُ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْوَاجِبَاتِ (حَتَّى) لَوْ أَتَى (بِزَائِدٍ عَنْ مَرَّةٍ فِي وَاجِبٍ) بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَالْمُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْرُمُ أَخْرَسُ وَنَحْوُهُ) كَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ، (بِقَلْبِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْهُ بِلِسَانِهِ، (وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْقَادِرَ ضَرُورَةً. (وَكَذَا حُكْمُ نَحْوِ قِرَاءَةٍ) كَتَحْمِيدٍ، (وَتَسْبِيحٍ) وَتَسْمِيعٍ، وَتَشَهُّدٍ، وَسَلَامٍ، يَأْتِي بِهِ الْأَخْرَسُ وَنَحْوُهُ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ. (وَسُنَّ جَهْرُ إمَامٍ بِتَكْبِيرٍ)، لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» (وَتَسْمِيعٌ) أَيْ: قَوْلُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، (وَتَسْلِيمَةٌ أُولَى) لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْمَأْمُومُ بِخِلَافِ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَالتَّحْمِيدِ.
(وَ) سُنَّ جَهْرُهُ أَيْضًا بِـ (قِرَاءَةٍ فِي) صَلَاةٍ (جَهْرِيَّةٍ، بِحَيْثُ يُسْمِعُ) الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ، وَالتَّسْمِيعِ، وَالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَالْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ (مَنْ خَلْفَهُ) لِيُتَابِعُوهُ، وَيَحْصُلَ لَهُمْ اسْتِمَاعُ قِرَاءَتِهِ (وَأَدْنَاهُ) أَيْ: أَدْنَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ (سَمَاعُ غَيْرِهِ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا يَضُرُّ قَصْدُ جَهْرِ) مُصَلٍّ بِذِكْرٍ (وَاجِبٍ) كَتَكْبِيرٍ، وَتَسْمِيعٍ (لِ) أَجْل (تَبْلِيغِ) الْمَأْمُومِينَ، لِيُتَابِعُوا إمَامَهُمْ. وَيَجُوزُ الإخفات (إذَا الْجَهْدُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ) اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْنُونٌ إنْ أُتِيحَ إلَيْهِ كَمَا يَأْتِي. وَهَذَا مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَضُرُّ) جَهْرُهُ (إنْ قَصَدَ) بِجَهْرِهِ (بـِ) الذِّكْرِ (الْوَاجِبِ التَّبْلِيغَ) فَقَطْ، أَيْ: دُونَ قَصْدِهِ بِهِ الِانْتِقَالَ، (أَوْ) أَيْ: وَيَضُرُّ لَوْ كَانَ الْقَصْدُ (وَلَوْ)، أَيْ: الذِّكْرَ، (وَالتَّبْلِيغَ)؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ بِالتَّبْلِيغِ؟ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَقَدْ عَلَّلَ أَحْمَدُ الْفَسَادَ بِالْخِطَابِ، لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْخِطَابِ وَالتَّبْلِيغِ، بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا لِمَصْلَحَتِهَا؛ فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْلَامَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيَاسُهُ- قَصْدُ الْإِعْلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: (كَحَمْدٍ) أَيْ: كَمَا لَوْ عَطَسَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ جَاعِلًا حَمْدَهُ (لِعُطَاسٍ وَ) لِـ (قِرَاءَةٍ) فَلَا يُجْزِئُهُ نَصًّا. وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ الْآتِي- غَيْرُ مُسْلِمٍ: إذْ الْحَمْدُ لِلْعُطَاسِ لَيْسَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَالتَّبْلِيغُ لِمَصْلَحَتِهَا، فَافْتَرَقَا. (وَكُرِهَ جَهْرُ مَأْمُومٍ) فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهَا (إلَّا بِتَكْبِيرٍ، وَتَحْمِيدٍ، وَسَلَامٍ لِحَاجَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ أَسْمَعَ جَمِيعَهُمْ، لِنَحْوِ: بُعْدٍ، وَكَثْرَةٍ (فَيُسَنُّ) جَهْرُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِذَلِكَ، لِيَسْمَعَ مَنْ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ، فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ، لِيُسْمِعَنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مَعَ الرِّجَالِ، فَلَا تَجْهَرُ هِيَ، بَلْ أَحَدُهُمْ (وَإِلَّا) تَكُنْ حَاجَةٌ لِلْجَهْرِ (سُنَّ إسْرَارُهُ)، أَيْ: الْمَأْمُومِ بِالتَّكْبِيرِ، وَنَحْوِهِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَبْلُغُ صَوْتُهُ الْمَأْمُومِينَ، لَمْ يُسْتَحَبَّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ التَّبْلِيغُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ. (وَجَهْرُ كُلِّ مُصَلٍّ) إمَامٍ، أَوْ مَأْمُومٍ، أَوْ مُنْفَرِدٍ (فِي رُكْنٍ) كَتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ، وَسَلَامٍ (وَ) فِي (وَاجِبٍ) كَتَسْمِيعٍ، وَتَحْمِيدٍ، وَبَاقِي تَكْبِيرٍ، وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ (فَرْضٍ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ) حَيْثُ لَا مَانِعَ. (وَمَعَ مَانِعٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ سَمَاعٌ مَعَ عَدَمِهِ)، أَيْ: الْمَانِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ آتِيًا بِذَلِكَ بِدُونِ صَوْتٍ، وَالصَّوْتُ يُسْمَعُ، وَأَقْرَبُ السَّامِعِينَ إلَيْهِ نَفْسُهُ. (وَسُنَّ) لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِصَلَاةٍ (رَفْعُ يَدَيْهِ) مَعًا مَعَ قُدْرَةٍ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَذَلِكَ (إشَارَةٌ لِرَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ) كَمَا أَنَّ رَفْعَ السَّبَّابَةِ إشَارَةٌ لِلْوَحْدَانِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ. (أَوْ) رَفْعُ (إحْدَاهُمَا عَجْزًا) عَنْ رَفْعِ الْيَدِ الْأُخْرَى لِمَرَضِهَا فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ، رَفَعَ السَّاعِدَ، أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ، رَفَعَ الْعَضُدَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: وَكَذَا لَوْ عَجَزَ عَنْ رَفْعِهِمَا لِمَانِعٍ، يَتَوَجَّهُ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَهُمَا لَوْ كَانَا؛ لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعٍ (مَعَ ابْتِدَاءِ تَكْبِيرٍ) فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّفْعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ؛ رَفَعَهُمَا لِإِتْيَانِهِ بِالسُّنَّةِ وَزِيَادَةٍ هُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهَا. وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ يَدَيْهِ (مَكْشُوفَتَيْنِ هُنَا، وَفِي دُعَاءٍ) لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَأَظْهَرُ فِي الْخُضُوعِ، وَتَكُونُ الْيَدَانِ حَالَ الرَّفْعِ (مَبْسُوطَتَيْ الْأَصَابِعِ)، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَأْتِي (مَضْمُومَتَيْهَا) لِأَنَّ الْأَصَابِعَ إذَا ضُمَّتْ تَمْتَدُّ (مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهَا الْقِبْلَةَ) وَيَكُونُ الرَّفْعُ (إلَى حَذْوِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (مَنْكِبَيْهِ)، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ: مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ، (بِرُءُوسِهِمَا)، أَيْ: يُقَابِلُ بِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ مَنْكِبَيْهِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ، (إنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمُصَلِّي (عُذْرٌ) يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ، رَفَعَ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ. (وَيُنْهِيهِ) أَيْ: الرَّفْعَ (مَعَهُ) أَيْ: التَّكْبِيرِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حَجَر: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ»، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ»، وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ»، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا». وَأَمَّا خَبَرُهُ الْآخَرُ: «كَان يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ لِلتَّكْبِيرِ»، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: خَطَأٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ الْمَدُّ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: هَذَا الضَّمُّ، وَضَمُّ أَصَابِعِهِ، وَهَذَا النَّشْرُ، وَمَدُّ أَصَابِعِهِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ، وَقَذْفُ أَصَابِعِهِ. وَلِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ كَنَشْرِ الثَّوْبِ. (وَيَسْقُطُ اسْتِحْبَابُ رَفْعِهِمَا)، أَيْ: يَدَيْهِ (بِفَرَاغِ تَكْبِيرٍ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ، رَفَعَ فِيمَا بَقِيَ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ، (وَمَنْ رَفَعَ) يَدَيْهِ، فَهُوَ (أَتَمُّ صَلَاةً مِمَّنْ لَمْ يَرْفَعْ) لِإِتْيَانِهِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ (يَحُطُّهُمَا) أَيْ: يَدَيْهِ (بِلَا ذِكْرٍ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ) يَدٍ (يُمْنَى عَلَى كُوعِ) يَدٍ (يُسْرَى)، لِمَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (وَيَجْعَلُهُمَا) أَيْ: يَدَيْهِ (تَحْتَ سُرَّتِهِ)، لِقَوْلِ عَلِيٍّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، تَحْتَ السُّرَّةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد. (وَمَعْنَاهُ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عِزٌّ. وَيُكْرَهُ) جَعْلُهُمَا (عَلَى صَدْرِهِ)، نَقَلَهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى الرَّقِّيِّ (وَسُنَّ نَظَرُهُ لِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) فِي سَائِرِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «كَان أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، رَمَقُوا بِأَبْصَارِهِمْ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِمْ»؛ وَلِأَنَّهُ أَخْشَعُ لِلْمُصَلِّي، وَأَكَفُّ لِبَصَرِهِ، (إلَّا) إذَا كَانَ الْمُصَلِّي (فِي نَحْوِ صَلَاةِ خَوْفٍ) إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَيَنْظُرُ إلَى الْعَدُوِّ لِلْحَاجَةِ. وَكَذَا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، أَوْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ فَوَاتِ وَقْتِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ، أَوْ ضَيَاعِ مَالِهِ، وَشَبَهِ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ إذَا نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَحَالَ إشَارَتِهِ فِي التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سَبَّابَتِهِ، لِخَبَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَصَلَاتُهُ تِجَاهَ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا. وَفِي الْغُنْيَةِ، يُكْرَهُ إلْصَاقُ الْحَنَكِ بِالصَّدْرِ، وَعَلَى الثَّوْبِ، وَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَرِهَتْهُ.